فصل: ذكر مدينة بلبيس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ذكر مدينة بلبيس

وسُميت في التوراة‏:‏ أرض حاشان وفيها نزل يعقوب لما قدم على ولده يوسف عليهما السلام فأنزله بأرض حاشان وهي‏:‏ بلبيس إلى العلاقمة من أجل مواشيهم‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ بلبيس واليها يصل حكمه إلى الواردة وهي آخر حدّ مصر وإليها تنتهي المعادلة بفضة السواد ويصير الناس يتعاملون بالفلوس بعدها إلى العريش وهي أوّل الشام وقيل‏:‏ هي آخر مصر‏.‏

وقال أبو عبيد البكريّ‏:‏ بلبيس فتح أوّله وإسكان ثانيه بعده باء مثل الأولى مفتوحة أيضًا وياء ساكنة وسين مهملة وهو موضع قريب مصر معروف وذكر ابن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك‏:‏ أن بين بلبيس ومدينة فسطاط مصر أربعة وعشرين ميلًا‏.‏

وذكر الواقديّ‏:‏ أنّ المقوقس زوّج ابنته أرمانوسة من قسطنطين بن هرقل وجهزها بأموالها وجواريها وغلمانها وحشمها لتسير إليه حتى يبني عليها في مدينة فيسارية وهم محاصرون لها فخرجت إلى بلبيس وأقامت بها وبعثت حاجبها الكبير في الذي فارس إلى الفرما ليحفظ الطريق ولا يدع أحدًا من الروم ولا غيرهم يعبر إلى مصر وبعث المقوقس رسله إلى أطراف بلاده مما يلي الشام أن لا يتركوا أحدًا يدخل أرض مصر مخافة أن يتحدّثوا بغلبة المسلمين على الشام فيدخل الرعب في قلوب عساكره فلما قدم عمر بن الخطاب الجابية وسار عمرو بن العاص إلى مصر نزل على بلبيس وبها أرمانوسة ابنة المقوقس فقاتل من بها وقتل منهم زهاء ألف فارس وأسر ثلاثة آلاف وانهزم من بقي إلى المقوقس وأخذت أرمانوسة وجميع مالها وسائر ما كان للقبط في بلبيس فأحب عمرو ملاطفة المقوقس فسيّر إليه ابنته أرمانوسة مكرمة في جميع مالها مع قيس بن أبي العاص السهميّ فسرّ بقدومها ثم سار عمرو إلى القصر ولم تزل من مدائن مصر الكبار حتى نزل عليها مُري ملك الفرنج وأخذها عنوة بعد حصار طويل وقتل منها آلافًا ولها أخبار كثيرة وقد خربت منذ عهد الحوادث بديار مصر بعد سنة ست وثمانمائة بعدما أدركناه وبها عمارة كثيرة وفيها عدة بساتين وأهلها أصحاب يسار ونعم سنية‏.‏

ذكر بلد الورادة الورادة من جملة الجفار‏.‏

قال عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك‏:‏ وصفة الطريق والأرض من الرملة إلى أردود اثنا عشر ميلًا ثم إلى غزة عشرون ميلًا ثم إلى العريش أربعة وعشرون ميلًا في رمل ثم الورادة ثمانية عشر ميلًا ثم إلى الغريب عشرون ميلًا قال الخليفة المأمون‏:‏ لليلك كان بالميدا ن أقصر منه بالفرما غريب في قرى مصر يقاسي الهم والسدما ثم إلى جرير ثلاثون ميلًا ثم إلى القاصرة أربعة وعشرون ميلًا ثم إلى مسجد قضاعة ثمانية عشر ميلًا ثم إلى بلبيس أحد وعشرون ميلًا ثم إلى فسطاط مدينة مصر أربعة وعشرون ميلًا‏.‏

وقال جامع تاريخ دمياط‏:‏ ولما افتتح المسلمون الفرما بعدما افتتحوا دمياط وتنيس ساروا إلى البقارة فأسلم من بها وساروا منها إلى الورادة فدخل أهلها في الإسلام وما حولها إلى عسقلان‏.‏

وقال القاضي الفاضل في متجدّدات شهر المحرم سبع وستين وخمسمائة‏:‏ وصابحنا الورادة فبتنا على مينا الورادة ودخلنا الورادة فرأيت تاريخ منارة جامعها سنة ثمان وأربعمائة واسم الحاكم بأمر الله عليها والورادة من جملة الجفار ويقال‏:‏ أخذ اسمها من الورود ولم يزل جامعها عامرًا تقام به الجمعة إلى ما بعد السبعمائة وبلد الورّادة القديمة في شرقيّ المنزلة التي يقال لها اليوم‏:‏ الصالحية وبها آثار عمائر ونخل قليل‏.‏

الصالحية‏:‏ هذه البلدة اختطها الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي بأرض المسانح والعلاقمة في أوّل الرمل الذي بين مصر والشام وأنشأ بها قصوًا وجامعًا وسوقًا لتكون منزلة العساكر إذا خرجوا من الرمل وذلك في سنة أربع وأربعين وستمائة‏.‏

ذكر مدينة أيلة ذكر ابن حبيب‏:‏ أنّ أثال بضم أوله ثم ثاء مثلثة وادي أيلة وأيلة بفتح أوّله على وزن فَعلة مدينة على شاطئ البحر فيما بين مصر ومكة سُميت‏:‏ بأيلة بنت مدين بن إبراهيم عليه السلام وأيلة أول حدّ الحجاز وقد كانت مدينة جليلة القدر على ساحل البحر الملح بها التجارة الكثيرة وأهلها أخلاط من الناس وكانت حدّ مملكة الروم في الزمن الغابر وعلى ميل منها باب معقود لقيصر قد كان فيه مسلحته يأخذون المكس وبين أيلة والقدس ست مراحل‏.‏

والطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام على يوم وليلة من أيلة وكانت في الإسلام منزلًا لبني أمية وأكثرهم موالي عثمان بن عفان وكانوا سقاة الحاج وكان بها علم كثير وآداب ومتاجر وأسواق عامرة وكانت كثيرة النخل والزروع وعقبة أيلة لا يصعد إليها من هو راكب وأصلحها فائق مولى خمارويه بن أحمد بن طولون وسوّى طريقها ورمَّ ما استرم منها وكان بأيلة مساجد عديدة وبها كثير من اليهود ويزعمون أن عندهم بُرد النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنه بعثه إليهم أمانًا وكانوا يخرجونه رداء عدنيًا ملفوفًا في الثياب قد أبرز منه قدر شبر فقط ويقال‏:‏ إنّ أيلة هي القرية التي ذكرها اللّه تعالى في كتابه حيث قال‏:‏ ‏"‏ واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ‏"‏ الأعراف 163‏.‏

وقد اختلف في تعيين هذه القرية فقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ وعكرمة والسديّ هي أيلة وعن ابن عباس أيضًا‏:‏ أنها مدينة بين أيلة والطورة وعن الزهريّ‏:‏ إنها طبرية وقال قتادة وزيد بن أسلم‏:‏ هي ساحل من سواحل الشام بين مدين وعينونة يقال لها‏:‏ معناة وسئل الحسين بن الفضل هل تجد في كتاب الله الحلال لا يأتيك إلا قوتًا والحرام يأتيك جزافًا قال‏:‏ نعم في قصة أيلة‏:‏ ‏"‏ إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ‏"‏ الأعراف 163‏.‏

وكان من خبر أهل القرية أنهم كانوا من بني إسرائيل وقد حرّم الله عليهم العمل في يوم السبت فزين لهم إبليس الحيلة وقال‏:‏ إنما نهيتم عن أخذ الحيتان يوم السبت فاتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء فيأخذونها يوم وقيل‏:‏ كان الرجل يأخذ خيطًا ويضع فيه وهقه ويلقيه في ذنب الحوت وهو بتحريك الهاء وإسكانها حبل كالطول ويجعل في الطرف الآخر من الخيط وتدًا ويتركه كذلك إلى يوم الأحد ثم تطرّق الناس حين رأوا من صنع هذا لا يبتلي حتى كثر الصيد للحيتان ومُشي به في الأسواق وأعلن الفسقة بصيده فقامت طائفة من بني إسرائيل وجاهرت بالنهي واعتزلت وقالت‏:‏ لا نساكنكم فقسموا القرية بجدار فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد فقالوا‏:‏ إنّ للناس لشأنًا فعلوا على الجدار فإذا هم قردة فدخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابها من الإنس فجعلت تأتيهم فتشم ثيابهم وتبكي فيقول الناهون للقردة‏:‏ ألم ننهكم فتقول برأسها‏:‏ نعم‏.‏

قال قتادة‏:‏ فصارت الشباب قردة والشيوخ خنازير فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم‏.‏وقيل‏:‏ إنّ ذلك كان في زمن نبيّ الله داود عليه السلام وقيل‏:‏ إن أيلة أصلها أيليالية وقد وقع ذكرها في التوراة كذلك وقال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ‏:‏ دكالة من البربر بطن من المصامدة وقالت طائفة‏:‏ إنّ دكالة ولد أيلة ويقال‏:‏ أيل الذي سُميت به عقبة أيلة وأخر أنهم من دغفل بن أيلة وأنهم يُعزون إلى البربر ويقولون‏:‏ نحن من ربيعة الفرس وفي ذلك خلاف عظيم‏.‏

وذكر المسعوديّ‏:‏ أن يوشع بن نون عليه السلام حارب السميدع بن هزبر بن مالك العمليقيّ ملك الشام ببلد أيلة نحو مدين وقتله واحتوى على ملكه وفي ذلك يقول عون بن سعيد الجرهميّ‏:‏ ألم تر أن العملقيّ بن هرمز بأيلة أمسى لحمه قد تمزعا تداعت عليه من يهود جحافل ثمانون ألفًا حاسرين ودرّعا وهي أبيات كثيرة‏.‏

وقال ابن إسحاق‏:‏ فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه تحية بن روبة صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية وكتب لهم كتابًا فهو عندهم وكتب لتحية بن روبة‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبيّ رسوله لتحية بن روبة وأهل أيلة أساقفهم وسائرهم في البرّ والبحر لهم ذمّة الله وذمّة النبيّ ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثًا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وإنه طيب لمن أخذه من الناس وإنه لا يحل أن يمنعوا ما يريدونه ولا طريقًا يريدونه من برّ أو بحر‏.‏

هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في سنة تسع من الهجرة ولم تزل مدينة أيلة عامرة وفي سنة خمس عشرة وأربعمائة طرق عبد الله بن إدريس الجعفري أيلة ومعه بعض بني الجرّاح ونهبها وأخذ منها ثلاثة آلاف دينار وعدّة غلال وسبى النساء والأطفال ثم إنه صرف عن ولاية وادي القرى فسارت إليه سرية من القاهرة لمحاربته‏.‏

قال القاضي الفاضل‏:‏ وفي سنة ست وستين وخمسمائة أنشأ الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب مراكب مفصلة وحملها على الجمال وسار بها من القاهرة في عسكر كبير لمحاربة قلعة أيلة وكانت قد ملكها الفرنج وامتنعوا بها فنازلها في ربيع الأوّل وأقام المراكب وأصلحها وطرحها في البحر وشحنها بالمقاتلة والأسلحة وقاتل قلعة أيلة في البرّ والبحر حتى فتحها في العشرين من شهر ربيع الآخر وقتل من بها من الفرنج وأسرهم وأسكن بها جماعة من ثقاته وقوّاهم بما يحتاجون إليه من سلاح وغيره وعاد إلى القاهرة في آخر جمادى الأولى‏.‏

وفي سنة سبع وسبعين وصل كتاب النائب بقلعة أيلة‏:‏ أنّ المراكب على تحفظ وخوف شديد من الفرنج ثم وصل الإيريس لعنه الله إلى أيلة وربط العقبة وسير عسكره إلى ناحية تبوك وربط جانب الشام لخوفه من عسكر يطلبه من الشام أو مصر فلما كان في شعبان من السنة المذكورة كثر المطر بالجبل المقابل للقلعة بأيلة حتى صارت به مياه استغنى بها أهل القلعة عن ورود العين مدة شهرين وتأثرت بيوت القلعة لتتابع المطر ووهت لضعف أساسها فتداركها وذكر أبو الحسن المسعوديّ في كتاب أخبار الزمان‏:‏ ومن أباده الحدثان‏:‏ الكوكة وهم أمّة لهم أربعة ملوك ملكوا أرض أيلة والحجاز وبنى كل واحد منهم مدينة سماها باسمه وجعلوا سائر الأرض خيمات وقسموها على ثلاثين كورة وجعلوها أربعة أعمال لكل عمل ملك يجلس على منبر ذهب في مدينته وعمل بربا وهي بيت الحكمة وعمل هيكلًا لأخذ الكواكب وجعل فيه أصنامًا من ذهب كل صنم له مرتبة وكانت الإسكندرية واسمها رقودة فجعلوا لها خمس عشرة كورة وجعلوا فيها كبار الكهنة ونصبوا في هياكلها من أصنام الذهب أكثر مما في غيرها وكان فيها مائتا صنم من ذهب وقسموا الصعيد على ثمانين كورة وجعلوا أربعة أقسام وكان عدد مدن أهل مصر الداخلة في كورها ثلاثين مدينة فيها العجائب‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ حمير الأكبر واسمه العرنجح بن سبأ الأكبر واسمه عامر ويعرف بعبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان لما ملك بعد أبيه جمع جيوشه وسار يطأ الأمم ويدوس الممالك كما فعل أبوه فأمعن في المشرق حتى أبعد يأجوج ومأجوج إلى مطلع الشمس ثم قفل نحو المغرب فجاءه قبائل من أهل اليمن من بني هود بن عابر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح يشكون من ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح وما نزل بهم من ظلمهم فأمر برفعهم من أرض اليمن وأنزلهم أيلة فعمروها من أيلة إلى ذات الآصال إلى أطراف جبل نجد فقطعت ثمود هناك الصخور ونحتوا من الجبال البيوت وتكبروا وطغوا فبعث الله فيهم صالحًا نبيًا ورسولًا فكذبوه وسألوه أن يخرج لهم ناقة من صخرة فأخرجها لهم فعقروها فأهلكهم الله بالصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين‏.‏

وقد ذكر أنَّ موسى عليه السلام سار ببني إسرائيل بعد موت أخيه هارون إلى أرض أولاد العيص وهي التي تعرف بجبال السراة جنب بلد الشوبك ثم مرّ فيها إلى أيلة وتوجه بعد أيام إلى برّية باب حيث بلاد الكرك حتى حارب تلك الأمم وكان إلى جانب أيلة مدينة يقال لها‏:‏ عصبون جليلة عظيمة‏.‏

مربوط‏:‏ كورة من كور الإسكندرية كانت لشدّة بياضها لا يكاد يبين فيها دخول الليل إلا بعد وقت وكان الناس يمشون فيها وفي أيديهم خرق سود خوفًا على أبصارهم ومن شدّة بياضها لبس الرهبان السواد وكانت بلاد مربوط في نهاية العمارة والجنان المتصلة بأرض برقة وهي اليوم من قرى الإسكندرية يزرع بها الفواكه وغيرها وقد وقفها الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير على جهات بِرُّ بالجامع الحاكمي من القاهرة وبها جامع عمر في سنة ست وستين وستمائة ثم استأجرها الملك المؤيد شيخ المحمودي في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة وجدّد عمارة بستانها وقد خرب لترداد عرب لبدة وبرقة إليه فاستمرّت في ديوان السلطان‏.‏

وادي هبيب‏:‏ هذا الوالي بالجانب الغربيّ من أرض مصر فيما بين مربوط والفيوم يجلب منه الملح والنطرون عُرِف بهبيب بن محمد بن معقل بن الواقعة بن حزام بن عفان الغفاريّ أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد فتح مكة وروى عنه أبو تميم الجيشانيّ وأسلم مولى تجيب وسعيد بن عبد الرحمن الغفاريّ وكان قد اعتزل عند فتنة عثمان رضي الله عنه بهذا الوادي فعرف به وكان يقول‏:‏ لا يفرق بين قضاء دين رمضان ويجمع بين الصلاتين في السفر ويقال لهذا الوالي أيضًا‏:‏ وادي الملوك ووالي النطرون وبرّية شهاب وبرّية الإسقيط وميزان القلوب وكان به مائة دير للنصارى وبقي به سبعة ديورة وقد ذكرت عند ذكر الأديار من هذا الكتاب وهو وادٍ كثير الفوائد فيه النطرون ويتحصل منه مال كثير وفيه الملح الأندرانيّ والملح السلطانيّ وهو على هيئة ألواح الرخام وفيه‏:‏ الوكت والكحل الأسود ومعمل الزجاج وفيه الماسكة وهو طين أصفر في داخل حجر أسود يحك في الماء ويشرب لوجع المعدة وفيه البرديّ لعمل الحصر وفيه عين الغراب وهو ماء في هيئة البركة وطولها نحو خمسة عشر ذراعًا في عرض خمسة أذرع في مغار بالجبل لا يعلم من أين يأتي ولا إلى أين يذهب وهو حلو رائق‏.‏

ويذكر أنه خرج منه سبعون ألف راهب بيد كل واحد عكاز فتلقوا عمرو بن العاص بالطرّانة مرجعه من الإسكندرية يطلبون أمانة لهم على أنفسهم وأديارهم فكتب لهم بذلك أمانًا بقي عندهم وكتب لهم أيضًا بجراية الوجه البحري فاستمرّت بأيديهم وإنِّ جرايتهم جاءت في سنة زيادة على خمسة آلاف أردب وهي الآن لا تبلغ مائة أردب‏.‏

ذكر مدينة مدين اعلم أن مدين أمّة شعيب هم‏:‏ بنو مديان بن إبراهيم عليه السلام وأمهم قنطوراء ابنة يقطان الكنعانية ولدت له ثمانية من الولد تناسلت منهم أمم ومدين على بحر القلزم تحاذي تبوك على نحو ست مراحل وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى لسائمة شعيب وعمل عليها بيت‏.‏

قال الفرّاء‏:‏ مدين اسم بلد وقطر وقيل‏:‏ اسم قبيلة سميت باسم أبيها مدين‏.‏

ويقال له‏:‏ مِديان بن إبراهيم قاله مقاتل وغيره والجمهور على أنَّ مدين أعجميّ وقيل‏:‏ عربيّ فإن كان عربيًا فإنه يحتمل أن يكون فعيلًا من مدَّن بالمكان أقام به وهو بناء نادر وقيل‏:‏ مهمل أو مفعلًا من دان فتصحيحه شاذ وهو ممنوع الصرف على كل حال سواء كان اسم الأرض أو اسم القبيلة عجميًا أو عربيًا‏.‏

وقال المسعوديّ‏:‏ قد تنازع أهل الشرائع في قوم شعيب بن نوفل بن رعويل بن مرّ بن عيقا بن مدين بن إبراهيم عليه السلام وكان لسانه العربية فمنهم من رأى أنهم من العرب الدائرة والأمم البائدة وبعض من ذكرنا من الأجيال الخالية ومنهم من رأى أنهم من ولد المحصن بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم الخليل وأنّ شعيبًا آخرهم في النسب وقد كانوا عدّة ملوك تفرّقوا في ممالك متصلة فمنهم المسمى‏:‏ بأبجد وهوّز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت وهم على ما ذكرنا بنو المحصن بن جندل‏.‏

وأحرف الجمل هي‏:‏ أسماء هؤلاء الملوك وهي الاثنان والعشرون حرفًا التي عليها حساب الجمل وقد قيل في هذه الحروف غير ما ذكرنا من الوجوه فكان أبجد ملك مكة وما يليها من الحجاز وكان هوّز وحطي ملكين ببلاذوَجْ وهي الطائف وما اتصل بذلك من أرض نجد وكلمن وسعفص وقرشت ملوك بمدين وقيل‏:‏ ببلاد مصر وكان كلمن على ملك مدين ومن الناس من رأى أنه كان ملك جميع من سمينا مشاعًا متصلًا على ما ذكرنا وإنّ عذاب يوم الظلة كان في ملك كلمن منهم وإنّ شعيبًا دعاهم فكذبوه وعدهم بعذاب يوم الظلة ففتح عليهم باب من السماء من نار ونجا شعيب بمن آمن معه إلى الموضع المعروف بأيلة وهي غيضة نحو مدين فلما أحس القوم بالبلاء واشتدّ عليهم الحرّ وأيقنوا بالهلاك طلبوا شعيبًا ومن آمن معه وقد أظلتهم سحابة بيضاء طيبة النسيم والهواء لا يجدون فيها ألم العذاب فأخرجوا شعيبًا ومن آمن معه من مواضعهم وأزالوهم عن أماكنهم وتوهموا أن ذلك ينجيهم مما نزل بهم فجعلها الله عليهم نارًا فأتت عليهم فرثت جارية بنت كلمن أباها وكانت بالحجاز فقالت‏:‏ سيد القوم أتاه ال حتف نارًا وسط ظله كوّنت نارًا فأضحت دار قومي مضمحله وقال المتنصر بن المنذر المدينيّ‏:‏ ألا يا شعيب قد نطقت مقالةَ أبدت بها عمرًا وتحيي بني عمرو هم ملكوا أرض الحجاز بأوجه كمثل شعاع الشمس في صورة البدر وهم قطنوا البيت الحرام وزينوا قطورًا وفازوا بالمكارم والفخر ملوك بني حطي وسعفص في الندى وهوّز أرباب الثنية والحجر قال المسعودي‏:‏ ولهؤلاء الملوك أخبار عجيبة من حروب وسير وكيفية تغلبهم على هذه الممالك وتملكهم عليها وإبادتهم من كان فيها قبلهم من الأمم وقيل‏:‏ إنّ الأيكة المذكورة في قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ولقد كذب أصحاب الأيكة المرسلين ‏"‏ الشعراء 176 وفي قوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم ‏"‏ الحجر 78 ـ 79 ، هي مدين وقيل‏:‏ من ساحل البحر إلى مدين وقيل‏:‏ هي غيضة نحو مدين وقيل‏:‏ بل أصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب كانوا بتبوك بين الحجر وأوّل الشام ولم يكن شعيب منهم وإنما كان من مدين‏.‏

وقال أبو عبيد البكري‏:‏ الأيكة المذكورة في كتاب الله تعالى التي كانت منازل قوم شعيب روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيها روايتان إحداهما‏:‏ إنّ الأيكة من مدين إلى شعيب والرواية الثانية‏:‏ إنها من ساحل البحر إلى مدين وكان شجرهم المقل والأيكة عند أهل اللغة الشجر الملتف وكانوا أصحاب شجر ملتف وقال قوم‏:‏ الأيكة‏:‏ الغيضة وليكة‏:‏ اسم البلد وما حولها كما قيل‏:‏ مكة وبكة‏.‏

وقال أبو جعفر النحاس‏:‏ ولا يعلم ليكة اسم البلد وقال ابن قتيبة‏:‏ وكان بعضهم يزعم أن بكة هو موضع المسجد وما حولها مكة كما فرق بين الأيكة وليكة فقيل‏:‏ الأيكة‏:‏ الغيضة وليكة البلد‏:‏ حولها‏.‏

وقال البكريّ‏:‏ مدين بلد بالشام معلوم تلقاء غزة وهو المذكور في كتاب الله تعالى وهذا وهم بل مدين من أرض مصر وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى مدينة مدين أميرهم‏:‏ زيد بن حارثة رضي الله عنه فأصاب سبيًا من أهل ميتا‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ وميتا هي السواحل فبيعوا وفرّق بين الأمهات والأولاد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال‏:‏ ‏"‏ ما لهم ‏"‏ فأخبر خبرهم فقال‏:‏ ‏"‏ لا تبيعوهم إلا جميعًا ‏"‏‏.‏

ومدين من منازل جذام بن عديّ بن الحارث بن مرّة بن أدد بن زيد بن عمرو بن عزيب بن زيد بن كهلان‏.‏

وشعيب النبيّ المبعوث إلى أهل مدينة أحد بني وائل بن جذام‏.‏

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوفد جذام‏:‏ ‏"‏ مرحبًا بقوم شعيب وأصهار موسى ولا تقوم الساعة حتى يتزوّج فيكم المسيح ويولد له ‏"‏‏.‏

وقال محمد بن سهل الأحول‏:‏ مدين من أعراض المدينة مثل فدك والفرع ورهاط‏.‏

قال مؤلفه رحمه الله تعالى‏:‏ وكان بأرض مدين عدة مدائن كثيرة قد باد أهلها وخربت وبقي منها إلى يومنا هذا وهو سنة خمس وعشرين وثمانمائة نحو الأربعين مدينة قائمة منها ما يعرف اسمه ومنها ما قد جهل اسمه فمما يعرف اسمه فيما بين أرض الحجاز وبلاد فلسطين وديار مصر ست عشرة مدينة منها‏:‏ في ناحية فلسطين عشر مدائن وهي الخلصة والسنيطة والمدرة والمنية والأعوج والخويرق والبئرين والماءين والسبع والمعلق وأعظم هذه المدائن العشر‏:‏ الخلصة والسنيطة وكثيرًا ما تنقل حجارتها إلى غزة ويبنى بها هناك ومن مدائن مدين بناحية بحر القلزم والطور مدينة فاران ومدينة الرقة ومدينة القلزم ومدينة أيلة ومدينة مدين وبمدينة مدين إلى الآن آثار عجيبة وعمد عظيمة‏.‏

ووجد في مدينة الأعوج أعوام بضع وستين وسبعمائة جب بقلعتها بعيد المهوى يبلغ عمقه نحو مائة ذراع وبقاعِه عدة أسفار على رفوف حمل منها سفر طوله ذراعان وأزيد قد غلف بلوحين من خشب وكتابته بالقلم المسند طول الألف واللام نحو شبر فوجد ببلاد الكرك من قرأه فإذا هو سفر من عشرة أسفار قد ابتدأه بحمد الله ثم قال‏:‏ خروج موسى من أرض مصر إلى بلاد مدين وملوك بني مدين فيما بعد شعيب فذكر لموسى عليه السلام عدّة أسماء منها اسمه بالعربية‏:‏ موسى بن عمران وبالعبرانية‏:‏ موشي وبالفارسية‏:‏ داران وبالقبطية‏:‏ هروسيس وذكر أنه تزوّج ابنة شعيب وأنه أقام بمدينة ثماني حجج ثم قال لابن شعيب‏:‏ قد أتممت لك شرطك وسأزيدك سنتين فضلًا مني‏.‏

بقية خبر مدينة مدين قال‏:‏ وخرج موسى متوجهًا إلى مصر والملك يومئذٍ على مدين أبجد‏.‏

قال‏:‏ وقوي أمر أبجد فطغى حتى ملك الحجاز واليمن وكان له خمسة أولاد هم‏:‏ هوّز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت فأقام أبجد ملكًا باليمن مائة سنة‏.‏

ومات وقد استخلف من بعده ابنه‏:‏ كلمن باليمن وجعل ابنه هوّز على الحجاز وابنه حطي على أرض مصر وابنه سعفص على الجزيرة وبلادها حيث الموصل وحرّان إلى أرض العراق وابنه قرشت على العراق ومشارفها من خراسان وكان قرشت هو الجبار فيهم وكان سعفص وهوّز وكلمن أهل عدل وحلم وكان حطي صاحب بطش وجرأة‏.‏

وكان بنو إسرائيل إذ ذاك بالشام فلم يملك أولاد أبجد أرض الشام ولا احتووا عليها وكانت مدّة ملكهم نحوًا من مائة وخمسين سنة فتم لهم بدولة أبيهم أبجد ثلثمائة سنة وأزيد‏.‏

ثم ملك بعدهم على بني إسرائيل روزيت بن هوّز وعرزيت بن حطي بن أبجد نحو سبع سنين ثم خرجت الدولة عن أولاد أبجد وأقام هذا الكتاب عندهم زمانًا ثم أعادوه إلى الجبّ من قلعة الأعوج‏.‏

حدثني بهذا الخبر الحافظ المتقن الضابط أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الغريانيّ التونسيّ المالكيّ قال‏:‏ حدثني به شتر بن غنيم العامريّ شيخ لقيه بأرض فلسطين أنه شاهد الكتاب المذكور وهو شاب وحفظ منه ما تقدّم ذكره‏.‏

وقيل‏:‏ إنّ مالك بن دعر بن حجر بن جديلة بن لخم كان له أربعة وعشرون ولدًا ذكرًا فكثرت أولادهم حتى بنوا المدائن والقرى والحصون وعمروا بلاد مدين كلها وغلبوا على بلاد الشام ومصر والحجاز وغيرها خمسمائة سنة وقيل‏:‏ إنما كان استيلاء ملوك مدين على مصر خمسمائة سنة بعد غرق فرعون موسى وهلاكه دلوكة بنت زفان حتى أخرجهم منها نبيّ الله سليمان بن داود فعاد الملك إلى القبط بعدهم‏.‏